جواز قراءة القرءان على الأموات المسلمين

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

وبعد فها نحن اليوم في أيام اشتد فيها البلاء على الأمة، فضاقت بنا سُبل المعيشة والحياة، وأحاطت بنا النوائب، فصرنا أحوج ما نكون لتمسكنا بكتاب الله تعالى وبسنَّة رسول الله ، ولنعمل بما أمر الله { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا }. ولكن وللأسف فأن بعض من يعتلي المنابر لم يعِ خطورة الموقف ودقّة ما نمر به من أزمة ، فصعد المنبر ليستغله لنشر الفُرقَة في فتاوي ما أنزل الله بها من سلطان .

ومن جملة هذه الفتاوى الضالة تحريم البعض قراءة القران على اموات المسلمين فاقتضى تبيان هذا الامر وجوازه بالادلة الشرعية من احاديث الرسول واقوال العلماء من االمذاهب الاربعة

الدليل من حديث رسول الله

سيد الخلق هو من قال: (( اقرءوا يس على موتاكم)) في الحديث الذي رواه أبو داود وهو عنده حسن، والنسائي وابن ماجه وأحمد والحاكم وصححه ابن حبان، وإن قيل بأن بعض العلماء ضعّفوه فقد ذكر الإمام النووي في مقدمة الأربعين النووية: (( اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال)).

وهو أيضاً الذي قال في الحديث الذي رواه الطبراني في المعجم الكبير(( إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره وليُقرأ عند رأسه بفاتحة الكتاب وعند رجليه بخاتمة البقرة في قبره))، قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري عن هذا الحديث: (( أخرجه الطبراني بإسناد حسن)).

الدليل من كلام صحابة رسول الله

وهذا ما فهمه أصحاب رسول الله أي جواز قراءة القرءان للميت عند قبره فقد ثبت عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر بن الخطاب أنه قرأ على القبر أول سورة البقرة وخاتمتها ، رواه الإمام البيهقي وحسّنه الحافظ النووي في (( الأذكار)).

الدليل من كلام العلماء

الشافعية :

ذكر الإمام النووي في كتابه الأذكار أن الشافعي وأصحابه قالوا (( يستحب أن يقرءوا عنده شياً من القرءان، قالوا فأن ختموا القرءان كله كان حسناً))، عند الفراغ من دفن الميت ، والشافعي نصّ على ذلك .

الحنابلة:

قال الإمام أبو بكر المروزي (من تلامذة الإمام أحمد بن حنبل ، انظر كتاب المقصد الأرشد ) ما نصه : (( سمعت أحمد بن حنبل يقول: إذا دخلتم المقابر فاقرءوا ءاية الكرسي وقل هو الله أحد ثلاث مرات، ثم قولوا: اللهم اجعل فضله لأهل المقابر)).

الحنفية :

قال الزّيلعي في كتابه (( تبيين الحقائق ما نصّه : باب الحج عن الغير : الأصل في هذا الباب أن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره عند أهل السنة والجماعة صلاة كان أو صوماً أو حجاً أو صدقة أو تلاوة قرءان أو الدعاء أو غير ذلك من جميع أنواع البر، ويصل ذلك إلى الميت وينفعه .

المالكية:

قال القرطبي في التذكرة : (( أصل هذا الباب الصدقة التي لا اختلاف فيها، فكما يصل للميت ثوابها فكذلك تصل قراءة القرءان والدعاء والاستغفار، إذ كل ذلك صدقة، فإن الصدقة لا تختص بالمال)).

وأما ما زعم بعض المفترين من أن الشافعي يُحرّم قراءة القرءان على الأموات، فهو كذب على إمامنا، وإنما كان الخلاف هل يصل الثواب أم لا يصل ولم يكن الخلاف هل يجوز القراءة أم لا تجوز. بل إن الشافعي وغيره من سائر علماء المسلمين يقولون بوصول ثواب القراءة إذا دعا القارئ أن يصل، والذين قالوا لا يصل الثواب إنما قالوه فيمن يقرأ ولم يدع الله أن يوصله.

فقد قال الإمام السيوطي في شرح الصدور: (( اختلف العلماء في وصول ثواب القرءان للميت، فجمهور السلف والأئمة الثلاث على والوصول وخالف في ذلك إمامنا الشافعي رضي الله عنه))، فالكلام بيّن أن الخلاف في والوصول أو عدمه، أي فيما لو قرأ ولم يدعُ بوصول الثواب وليس في الحرمة والجواز.

وأما من دعا بعد انتهاء القراءة بوصول الثواب للميت،فأنه يُرجى وصول الثواب للميت، لأن الدعاء يُرجى وصوله للميت بلا خلاف بين الأئمة. وهذا ما فهمه السادة الشافعية من كلام الشافعي رحمه الله، فقد قال الإمام النووي الشافعي في كتابه ((الأذكار)): والمختار لوصول الثواب أن يقول القارئ بعد الفراغ: اللهم أوصل ثواب ما قرأته إلى فلان.

ومثل هذا قال الإمام الحافظ قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي في كتابه (( قضاء الأرب في أسئلة حلب)) حين سئل عن إهداء ثواب قراءة القرءان للميت، حيث أجاب بالجواز.

فبعد كل هذا البيان والتبيان، أليس الأولى لنا أن ننشغل بالإحسان لموتانا؟‍‍‍‍‍! وأن نقرأ لهم القرءان وندعو الله بوصول الثواب إلى أرواحهم، بدل أن ينشغل البعض بمنع ذلك كأنه منكر من المنكرات.

والغريب أن أصحاب تلك الفتاوى الشاذَة التي تحرّم قراءة القرءان على الميت خالفوا حتى مشايخهم بفتاويهم هذه.

ونحن نورد هذا للاستدلال عليهم بمن يعتبرونه مرجعاً لهم كابن تيمية، الذي قال بجواز قراءة القرءان للميت وإهداء الثواب إليه، حيث قال ما نصّه في (( مجموع فتاوى ابن تيمية)) (الجزء 24 ): من قرأ القرءان محتسباً وأهداه إلى الميت نفعه ذلك)) حين سئل عن حكم عمل (( الختمة)) لمن مات.

وهم كذلك يخالفون شيخهم الذي يعتبرونه هم مجدداً وعالماً وهو ابن عبد الوهاب النجدي الذي يقول بخلاف ما يزعمون في كتابه (أحكام تمني الموت) ما نصّه: (( أخرج عبد العزيز صاحب الخلال بسنده مرفوعاً : من دخل المقابر، فقرأ سورة (( يس)) خفف الله عنهم، وكان له بعدد من فيها حسنات)).

اللهم إنا نسألك الهدى ونعوذ بك من أسباب الردى إنك على كل شيء قدير ، والله من وراء القصد ، وهو الموفق إلى سبيل الرشاد .


أضف تعليق

  • الحقوق محفوظة

    Creative Commons License
  • ارشيف المدونة

  • اقسام المدونة